الصبر مهارة لا تقدر بثمن، ومهارة إيجابية للتعامل مع المواقف الضاغطة، بينما الاحباط ليس مفتاح لأي باب، كما أن الصبر ممارسة روحية مدى الحياة ووسيلة للعثور على الحركية الانفعالية. فنحن بحاجة إلى كثير من الإشباعات في حياتنا اليومية، وسيحدث الاحباط كل صباح، وهناك الكثير من الأسباب الوجيهة ليكون الصبر عوناً للفرد للتعايش مع المواقف المحبطة؛ فهناك طابور من الأشياء الكثيرة لا تتحقق، وهناك خيبات أمل، وعلينا التعامل بثقة في قيادة أنفسنا بمحبة، فكل تصرف انفعالي يجعلنا نشعر تشعر بأننا ضحية، وكل رد فعل يجلب لنا المآسي ونفور الناس ، ونظهر بأننا السوء في نفوسهم، أو يمكننا أن نتعلم تحول الاحباط إلى صبر. كما الصبر لا يعني الاستسلام أو الانسحاب، بل هو طاقة وفن ممارسة لتحرير الانفعالات السلبية، من أجل الانتظار والمراجعة، والمعرفة حول طريقة التصرف بحكمة، باعتباره شكل من أشكال الرحمة أو الشفقة بالذات وقت الأزمات، فالإحباط الذي يشعر فيه بعض الناس في بعض المواقف التي لا تلبي إشباع فوري لحاجاتهم ومعارفهم هو وسيلة لعرقلة غير فعالة لكبح الانفعالات ويؤدي إلى عدم الرضا، والشعور بالتوتر الدائم، ويقتل روح الدعابة، لكن الصبر هو قيمة مفقودة في عصر الاحباط، فهو حالة نشطة واختيار جيد لمعالجة ضيق النفس، والانتظار والعمل والتدفق الفكري والأخلاقي. لذلك يمكن القول إن الصبر هو فعل الرحمة والشفقة بالذات الذي يؤدي إلى الاتزان الانفعالي(تحول القش إلى ذهب كما يقول المثل).
والصبر (أو الامتناع ) هو حالة من القدرة على التحمل في ظل ظروف صعبة ، كما تعني المثابرة في مواجهة الاستفزاز دون تأخير أو بناء على الانزعاج / الغضب بطريقة سلبية، أو اظهار التحمل تحت الضغط، خصوصاً عندما يواجه الفرد الصعوبات أو المحن على المدى الطويل. الصبر هو مستوى التحمل الذي يمكن للمرء أن تتخذه قبل الوصول إلى الحالة السلبية. كما أنه يستخدم تستخدم إلى سمة في الشخصية باعتباره حالة من المرونة النفسية. وتشمل متضادات التسرع والاندفاع . والصبر من الصفات الإيجابية للشخصية الإنسانية النامية، إذ يشير إلى القدرة على تحمل ضغوط الحياة وإحباطاتها ومنغصاتها دون شكوى. كما ينظر إليه على أنه ميل إلى الانتظار بهدوء في مواجهة الإحباط والشدائد لفترة طويلة باعتباره مصدراً لقوة الشخصية، وعنصر حاسم في ازدهار الإنسان ورفاهيته. كما يؤكد الصبر على الهدوء، وضبط النفس، والاستعداد أو القدرة على تحمل التأخير. ويسعى الشخص الصبور إلى تحقيق أو تجميع نقاط قوته الإيجابية في مواجهة شدائد الحياة برضى دون وجل أو قنوط. وهناك ثلاث عوامل يمكن أن يقاس الصبر من خلالها:
1- الصبر أثناء التعامل مع الآخرين.
2- الصبر على المدى الطويل.
3- الصبر على المدى القصير.
كما يتجلى الصبر يتجلى في مواطن كثيرة، منها الصبر على الأفعال السلبية التي يقوم بها الفرد بحق ممتلكات الآخرين. والصبر في لحظات إيذاء الآخرين، والصبر لحظات الألم الذاتي. فقد ذكر تلك في سورة الكهف( خرق السفينة، وقتل الطفل، وبناء الجدار). فنبي الله موسى عليه السلام عندما قام الخضر عليه السلام بخرق السفينة. وهذا يعني:
1 . المثابرة على التسامح مع الذات في حالات الألم .
2 . القدرة على الهدوء في لحظات الألم، وخصوصاً في حالات الفجيعة والفقد لأحد الأبناء أو الممتلكات. وكل منا مر بهذه الخبرة في الأزمة التي نعيشها اليوم. فإن أحسن المرء التعامل مع ذلك بصبر وحكمة، فإن ذلك يكون خيراً له، ومساعداً على النمو النفسي والروحي والجسمي، بدلاً من العيش في خضم الالام النفسية والجسدية التي لا تحمد عقباها.
فنحن لا نعرف أي شخص في حياتنا خالياً تماماً من هذه الصفات الثلاث ولا نستطيع أن نذكر يوماً واحداً في حياتنا لم أمر بحالة من هذه الحالات. والرد الواضح لهذا التأخير أو المعاناة أو نفاذ الصبر بشكل مختلف بدلاً من التسامح، حيث يحدث نفاذ الصبر عندما لا تحصل أو تحدث الأمور حسب طريقتنا وغير مطابقة لتوقعاتنا. ويبدو أن هناك أربع طرائق لنفاذ الصبر:
1- نميل إلى توقع الأشياء التي تتماشى مع توقعاتنا(خرق السفينة، في صورة الكهف، قتل الطفل، بناء الجدار...) ونعتقد أن كلمة الصبر وردت في سورة الكهف ثماني مرات، وهذا يعني عندما يطلب من الشخص المسلم قراءة سورة الكهف في كل جمعة، فهذا دليل على أن هذه السورة ( كما اعتقد) تمد الفرد بالطاقة النفسية الكبيرة التي تجلب له الرضا وراحة البال والصبر على الشدائد، والابتعاد على نفاذ الصبر، وأرى أنها سورة الصبر. وعلينا أن نترجم ذلك في تحليل نفسي عميق لمعرفة الدلالات النفسية وراء ذلك، وليس القراءة فقط بل العبرة في ذلك من الناحية النفسية والعقلية والانفعالية. إضافة إلى تعلم الفرد كيف يتعلم، أو التفكير حول التفكير، ومنهج تربوي متوازن،( تستطيع) وهذا يعني أن نعلم الطفل بلطف ومحبة حتى يتعلم، والمرحلة الثانية، (تستطع)، وهذا يعني مرحلة ثانية من التعلم بعد اتقان بعض المهارات عليه أن يقوم ببعض الخبرات لما تعلمه، والنهج الثالث( تسطع) فهذا يعني التمكن الكامل في المعرفة. واعتقد إذا تم إدخال هذه المفاهيم في نموذج تربوي فإنها ستكون نظرية تفوق كل النظريات التربوية والنفسية في العصر الحديث، وأساسها البصيرة الذاتية بكل تجلياتها لظواهر الأمور وباطنها، أي جمعت بين كل نظريات التحليل النفسي والمعرفية والسلوكية والإنسانية وحتى الإيجابية في رؤية واحدة من حيث التعلم والإرشاد النفسي.
2- نميل إلى توقع الناس الذين يتوافقون مع توقعاتنا.( إنهم يجب عليهم أن يتصرفوا بالطريقة التي يمكن أن نتصرف بها( إن المرأة التي أمامي على أمين الصندوق المالي لا ينبغي لها الحديث معه)، إن الناس لا ترقى إلى مستوى توقعاتنا( طرق جرس التلفون في الساعة الثالثة صباحاُ).
3- دائماً توقعاتنا تقريباً واقعية عندما يتعلق الأمر بإتقان مهارات جديدة، سواء كان ذلك تعلم حرفة جديدة، أو معرفة بعض برامج الكمبيوتر. نعتقد أننا يجب أن نكون قادرين على اتقان مهارات جديدة بسرعة بغض النظر عن مدى الصعوبات التي تواجهنا.
4- توقعاتنا هي دائماً غير واقعية عندما يتعلق الأمر بما يدور في أذهاننا.
بمعنى آخر أن نفاذ الصبر هو حالة سلبية لقبول محنة دون مؤشر أو مهلة لإزالتها، ومكافأة ليستجيب الفرد بشكل صحيح للخبرات والمحن القاسية. فالمحن تنتج التواضع وزيادة في الخضوع، والوداعة، والمحبة والامتنان. نعتقد بأننا يجب أن نكون قادرين على السيطرة على أفكارنا، وما تنشأ عنها من انفعالات، ولكن الأفكار والعواطف غير مرحب بها لكي تطفو على السطح في أي وقت.
لذلك، فالصبر وضبط الذات في المواقف الضاغطة من المهارات غير المعرفية التي ترتبط مع نتائج تعليمية واقتصادية واجتماعية إيجابية، إضافة إلى التوازن النفسي والجسمي والاجتماعي، فقد أظهرت الدراسات النفسية فوائد الصبر على التوافق النفسي والجسمي والاجتماعي مقارنة بنتائج نفاذ الصبر التي أظهرت النتائج في الحالة الأخيرة: الأمراض النفسية وخصوصاً الفصام، ونكران الواقع، وحالات الهستيريا المرضية، والنرجسية. وبعد كل ذلك، فهل نحن نتمتع بسمة الصبر ونملك الآليات والاستراتيجيات المناسبة في تلك المواقف الضاغطة التي نواجهها في حياتنا اليومية، أم أننا أصبح نفاذ الصبر لدينا السمة البارزة في كل مجريات حياتنا؟ نعتقد، إن الكثير منا لا يتحلون الصبر في حياتهم، وهذا دليل عندما نقف في الطابور لشراء حاجة، أو عندما نتأخر قليلاً أما إشارة المرور حيث نجد السائق الآخر من خلفنا يبث إلينا سمومه بمزماره الذي يزعج القاصي والداني، وهناك أمثلة كثيرة نلمسها في حياتنا اليومية لنفاذ صبر كثير من الناس والذي ينعكس ألماً وتوتراً له ولغيره. لذلك، ينبغي علينا التحلي بالصبر في كل المواقف التي نواهها لأنه طريق سعيد مبشر بالخير أكثر من أي عمل آخر( وبشر الصابرين) ولم يقل الله عز وجل: وبشر المصلين أو غير ذلك، لأن الصبر قيمة القيم النبيلة في الحفاظ على قدرات الفرد من النفاذ، وتحد من الألم والانفعال الشديد للآخرين الذين تأذوا من نفذ صبر شخص ما. كفانا وإياكم شر نفاذ الصبر، وألهمنا وألهمكم سمة الصبر في دروب حياتنا الشاقة.