ما الطموح الواهم؟
كثيرًا ما نسمع الكثير من العبارات التحفيزية الداعية لتحقيق حلمك “أيًّا كان” ونسمع قصصًا كثيرة عن أولئك الذين حققوا “الثراء” حتى وصلوا إلى العالمية، ولكننا لا نعرف ما يختبئ وراء هذه القصص من المجهودات العظيمة والتحولات الفارقة في حياة هؤلاء الناس الذين حققوا هذه الأحلام، كم مرةً فشلوا؟ كم مرةً حوّلوا مساراتهم المهنية؟ لكننا فقط ننبهر بالبريق الأخّاذ لهذه القصص دون الالتفات لمدى واقعيتها، والثمن الباهظ الذي دفعه هؤلاء الناس للوصول إلى هذه المراتب.لا نسمع شيئًا عن القصص التي بدأت بحُلم كبير ثم تحولت الدفة لحُلم آخر أكثر واقعية، وتغيير المسار بعد اكتشاف المرء لنفسه وإدراكه لإمكاناته الحقيقية ووضعه الحالي. لا بأس أبدًا أن تدرك حقيقة إمكاناتك كإنسان مخلوق على سطح الكرة الأرضية لديه قدرات مختلفة عن غيره، وإلا فلم خلقنا الله مختلفين إذا كان لدينا جميعًا نفس القدرات والإمكانات؟
لكلٍّ منا حياته وظروفه الخاصة، وقدراته وإمكاناته التي يجب أن ندركها بواقعية، ولا نخدع أنفسنا ونغطي أعيننا عنها، فلسنا “أبطالًا خارقين”، بل نحن في النهاية بشر نحاولُ ونسعى ونؤدي واجبنا، والإفراط والمبالغة في تصوير قدرات الإنسان – بحُجة الرفع من معنوياته- قد يوقعه فيما بعد في الإحباط.. بل وأحيانًا الاكتئاب.
هل الرضا بالواقع يعني بالضرورة التخاذل والاستسلام؟
هنا يأتي مفهوم الرضا، الرضا بقدراتك التي خلقك الله عليها والخارجة عن قدرتك في التغيير فإذا خلقك الله بشكلٍ معين فلا داعي أبدًا لتغيير شكلك كما يفعل بعض الناس الذين ينفقون أموالًا طائلة لتغيير أشكالهم التي خلقهم الله عليها ويرفضون نعمة الله عليهم، فالأولى في هذه الحالة هو الرضا بما خلقك الله عليه وتوجيه طاقاتك لما خيّرك الله فيه.وكمثالٍ آخر على مفهوم الرضا، أنتَ في بلدٍ لا يتيح لك مستوًى تعليميًّا معينًا تريده، وهو متوفرٌ في بلدٍ آخر، ولكنك لا تملك المال، وتُعيل أسرتك هنا في بلدك الذي أنت فيه، فهل الأولى هو قضاء الوقت في التفكير فيما ليس مجاله الآن؟ وشغل النفس عن الواقع بالأحلام التي لا قدرة لنا بها حاليًّا؟ قد تتغير الظروف يومًا ما، ويعود الحُلم ليطفو على سطح الواقع، ولكن كُن عمليًا، إذا كنت قادرًا على تطويع الظروف لحُلمك فافعل، وإلا فكُن مرنًا ولا تجعل الحُلم يوقفك في مكانك عن الاستمرار في الحياة.
خطوات السعي
ربما يكون ما تتمنى ليس خيرًا لك، في هذه الحالة عليك أن تطلب من الله الإرشاد والإلهام، وأن يختار لك ولا يُخيّرك، فعينُ الإنسان قاصرة عن رؤية الخير من الشر في حياته، وما نسير عليه في اختياراتنا في الحياة هو غلبةُ ظن، وبعد أخذ المشورة والرأي من المقربين، واستخارة المولى عزوجل، وتحكيم العقل لا الهوى. فكثيرًا ما يلعب الهوى دورًا في رفض الإنسان لقضاء الله وقدره عندما تفشل خططه، ويدخله في دوامة السخط التي تستنزف أعصابه وتؤثر على حالته النفسية والجسدية بشكلٍ سيئ. إذًا فهل نستسلم؟الإنسان الحكيم العاقل المستبصر بنور الله يعرف متى يتنازل عن طريقٍ ما ويسلك طريقًا آخر عندما يعلم أن الطريق الأول ليس الطريق الموصل للهدف. لذلك يجب على الإنسان ألا يتمسك بعناد، بل يهدأ ويتابع الخطوات بتأنٍ ورويِّة ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئَه وما أخطأهُ لم يكُن ليُصيبَه.
الأمر يحتاج إلى الصبر، وعدم التعلق بزينة الدنيا الفارغة وعدم الجري الأعمى وراء كل ما يقوله الآخرون، فكل تجربةٍ تسمعها ليس بالضروري أن تكون مناسبة لك، أو تكون هي حُلمك المنتَظر. خذ بالأسباب المُتاحة وخذ بوصية الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلم: “… احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللهُ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. رواه مسلم. امضِ في طريقك، فالأصل في هذه الحياة السعي والجد والعمل، والراحة لها مكانٌ آخر في عالمٍ آخر نسأل الله وإياكم أن نكون من ساكنيه.
الرضا لا يُساوي الكسل
وعلى الرغم من كل ما سبق، ليس معنى الرضا أن تركن إلى الخمول والكسل والبُكاء على اللبن المسكوب، إنما الرضا يمنحك السعادة والراحة النفسية والمرونة الكافية لتقبل الفشل في بعض التجارب الحياتية والانتقال منها للمحاولة مرة أخرى في مجالٍ آخر، فلا يأس ولا إحباط، وإنما طمأنينة وسكينة ومُثابرة ومحاولة بصبرٍ أهدأ وحكمة أرسخ.فقط علينا أن نسأل الله أن يرزقنا الحكمة الكافية لمعرفة الطرق التي تستحق المثابرة من الطرق التي سوف نضيع أوقاتنا فيها سُدى، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بتوفيق الله وعنايته وبصيرته التي يمنحها للإنسان، ثم الخبرة والتجربة الكافية في عدة مجالات تشغل بال المرء وتناسب قُدراته وآماله وطموحاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق