من هو سقراط

من هو سقراط


 ولد سقراط وعاش في أثينا في الفترة ( 469 – 399 ق.م. ) ، أول شهيد للفلسفة . هذه الشخصية الفكرية المتفردة في نوعها ، يعتبر أباً للفلسفة الإغريقية ، ومن أعظم فلاسفة الغرب . تمر بالأمم والشعوب شخصيات تؤثر بالسلب أو الإيجاب في تاريخ كل أمة ، كما توجد شخصيات ، هزوا البشرية ، وغيروا مجرى التاريخ الفكري البشري ، إنّ الشخصيات التي هزت البشرية لكونها بقية في ذاكرة التاريخ كناقوس لفترة طويلة ، بأعمالهم وإنجازاتهم سلباً وإيجاباً من خلال منظور دقيق ، وتوجد شخصيات غيرت الفكر السائد لفكر جديد ومفهوم جديد وحياة جديدة ، من النقيض إلى النقيض . وسقراط تلك الشخصية الحكيمة التي نالت الإعجاب من غالبية رجال التاريخ والفلسفة ، من خلال شخصيته وأسلوبه في المحاورات والمناقشات التي أقامها في حياته .



إنه الرجل الحكيم والمعلم والفيلسوف اليوناني، الذي ملء الفكر الإنساني بإبداعه، وأثر في عقول الفلاسفة والمفكرين في تاريخ البشرية منذ ظهور إبداعاته الفكرية. ويعتبر أعظم فلاسفة عصره . ونقلت أفكاره وآراؤه عبر تلامذته مثل الفيلسوف أفلاطون ، والمؤرخ زينوفون ، وأرسطو . إنه الفيلسوف الذي لا يكتب ولهذا لم يترك لنا أثر مكتوب. وعرف عنه أنه كان بسيطاً متواضعاً في المأكل والمشرب ورث الثياب .



هذا الفيلسوف كان له بالغ الأثر في تاريخ الفكر الفلسفي. فلقد أثر بطريقته في التعليم الفلسفي عامة وفي التربية خاصة. جعلت منه حياته البائسة مع زوجته، وطريقة موته الشجاعة، وأفكاره، أحد أهم وأشهر الشخصيات في تاريخ الفكر الإنساني. فطريقته في التعليم وفي التربية تثبت أنه هو الذي عمل على تأصيل مذهب الفلسفة الأخلاقية الذي لا يزال تنهل منه العقول حتى الآن. حيث صرف سقراط حياته تماماً للبحث عن الخير والحقيقة . ووصف شيشرون سقراط بأنه أنزل الفلسفة من السماء وأودعها المدن وأدخلها البيوت وجعلها ضرورية لكل بحث في الحياة والأخلاق والإنسان . إنّ سقراط قسم التاريخ الفلسفي إلى قسمين : ما قبل سقراط وما بعد سقراط . ولقد اتجه سقراط إلى التعليم المجاني لكل أبناء الفقراء . وكان يحب الحكمة ويرفض ربطها بالمال .



لقد كان سقراط يعلم الناس في الشوارع والأسواق والملاعب ، وكل والمجتمعات العامة والخاصة . متحدث إلى كل شخص يقابله. أما حديثه فكان يدور في معظم الأحيان حول الروح والخلود والأخلاق الفاضلة. لقد حرك التاريخ الفلسفي ومحوره وجعل له هدفاً في الحياة العملية . حيث ربط بين الفلسفة النظرية والحياة العملية من حيث الفلسفة الأخلاقية. وسقراط هو مؤسس الدرب الفلسفي الذي صار عليه تلاميذه مثل أفلاطون وأرسطو وغيرهم . ومنبع تأثير سقراط هو طريقة محاكمته وإعدامه . فهي لحظة فاصلة من لحظات الفلسفة اليونانية والغربية . هذه اللحظة قدمت صورة عن سقراط التاريخي نفسه شخصاً وفكراً .



وكان لسقراط أسلوبه الخاص في التدريس ، يعتمد على توجيه الأسئلة إلى مستمعيه ، طالباً العلم منهم ، ثم يبين لهم مدى عدم كفاية أجوبتهم . فكان سقراط ينتقل في محاوراته من بحث سلبي إلى بحث إيجابي . حيث كان يؤمن بأن الأسلوب السليم لاكتشاف الخصائص العامة هو الطريق الاستقرائية ، المسماة بالجدلية ؛ أي مناقشة الحقائق الخاصة للوصول إلى الأفكار العامة . وأما أهم الفلاسفة السابقون لسقراط فكان همهم موجهاً إلى الكون وإيجاد السبب الأول الذي نشأ عنه واتخذ منه مظاهره المختلفة . وظهر الرواقيون في اليونان وهم من الفلاسفة الأقدم يين وهم ينظرون للعالم نظرة شاملة عميقة لا تأخذ في اعتبارها عوامل التفرقة والتمييز . إن الوحدة العالمية في نظر الرواقيين تستند إلى الفلسفة القائمة على وحدة الكوكب الذي نسكنه وأن الجنس البشري جميعه من أصل واحد. ولا يعترفون بالفروق الفردية بين إنسان وأخيه الإنسان. وكان فكر أرسطو يختلف عن فكر الرواقيين ، من حيث هو يؤمن بالنظام العبودي ويبرره . وأتى من بعدهم السفسطائيون الذين هدموا البحث الموضوعي بشكوكهم ووضعوا مكانه البحث الذاتي، واتخذوه أساساً يشيدون عليه قواعد الأخلاق وأسس العلوم.



وانتهت هذه المدارس الفلسفية إلى سقراط . فقام على دراستها دراسة عميقة. حيث كان يبحث في أعماق النفس البشرية، واتخذ من الإنسان وطبائعه وغرائزه مادة أساسية في حوارياته وتعاليمه. لقد استخلص سقراط فلسفته من الفلسفات السابقة عليه . وكانت حداً فاصلاً بينه وبين الفلسفات الإنسانية العظيمة التي تأسست عليها فلسفته واستقت منها. وقد تمثل ذلك في حكمته المشهورة اعرف نفسك بنفسك. كان سقراط يسمو بالفكرة الفردية إلى مبدأ عام ثابت له حقيقة وله استقلال عن عقول الأفراد وكان يصل إلى هذه الحقائق معتمداً على وسيلتان هما ، الاستدلال والتعريف المنطقي . لقد بنى العلم على هاتان الوسيلتان.



كان سقراط محباً للجدل ، ومع هذا أعجب لفترة ما بالسفسطائيين الذين غزوا أثينة في فترة شبابه . وتختلف فلسفته عن فلسفة القدماء في أنها تركت التجوال فيما وراء الطبيعة والتنقيب في العماء الأول ، وهبطت إلى الأرض تتخلل نفس الإنسان ، بهدف أن يعرف نفسه ، ويعرف الفضيلة . وينسب تفوق عقله إلى أنه كان يفخر بجهله للمظاهر الخارجية .



تصدى سقراط للسفسطائيين ، واتجه بالفلسفة نحو البحث في أعماق الإنسان ودواخله . فقد اتخذ نفس الأساس الذي اتخذوه ليبنى عليه الحقائق، إلا أنه وصل إلى نتائج مضادة تماما مع ما وصل إليه السفسطائيون. هم اتخذوا الذاتية وسيلة يهدمون بها الحقائق الخارجية ، واتخذها هو لتقرير الحقائق الخارجية . ولهذا قيل أن سقراط هو الذي أنقذ الفلسفة من الضلال والضياع . وأنهى عصرهم .



كانت فلسفة سقراط ، جدلية ، مراوغة ، تجرى على غير نظام ، ولكنها فلسفة بلغ من جديتها وحقيقتها أن مات من أجلها . كان السفسطائيون ـــــ كانت الكلمة تعنى في الأصل معلمي البيان أو معلمي الحكمة ، ثم تحول المعنى بعد ذلك إلى المغالطين أو معلمي فن المغالطة ـ يرون أن المعرفة مقصورة على الإحساس ، ولهذا تختلف باختلاف الأشخاص ، لأن الإحساسات تختلف باختلاف الناس . أنكر سقراط قولهم في المعرفة . وأثبت أن العلم إنما هو في المدركات العقلية، وأن المعرفة تتكون من حقائق كلية، يستخلصها العقل لا الحواس، من الجزيئات المتغيرة، ولما كان العقل عنصراً مشتركاً لزم أن تكون الحقيقة عند شخص معين هي نفسها الحقيقة عند شخص آخر. ويقول سقراط هي أسمى الفضائل كانت الأرستقراطية خير أشكال الحكم ، وكانت الديمقراطية ( في عصره في أثينا ) سخفاً وعبثاً . لقد ميز سقراط بين موضوع العقل وبين موضوع الحس ، وذلك بما بينه من أهمية تحديد الألفاظ تحديداً دقيقاً حتى تتفق عليها فيمتنع الخطأ والالتباس . لقد قدم سقراط إلى الفلسفة جوابين ثابتين لسؤالين هما ما معنى الفضيلة ؟ وما هي أفضل دولة؟ لقد أعدموه لأنه كشف لهم جهلهم بحقائق الأمور وبالمعرفة . فالمعرفة عنده هي أساس الحكمة، والحكمة هي الوصول إلى الخلق السليم، ومعرفة النفس تأتي في مقدمة هذه المعارف.



وكان لسقراط رأيه عن المحاكاة . والمحاكاة هي تصوير للعالم الخارجي ، وتمثيل له؛ وقال سقراط عن المحاكاة : إن الرسم والشعر والموسيقى والرقص والنحت ، أنواع من التقليد . لقد حصر المحاكاة في الفنون عامة، الجميلة منها والنفعية: كفن النحت والبناء والنجارة. وحدد أرسطو وسائل المحاكاة قال هي: الإيقاع والانسجام واللفظ والنغم. والمحاكاة عنده لم تكن للأشياء المحسة . وركز أرسطو أهمية كبرى على المحاكاة وجعلها قوام الشعر ، وغريزة في الإنسان تظهر منذ الطفولة ، لاستعداد الإنسان لها . وبالمحاكاة الإنسان يكتسب معارفه الأولية ويجد بها لذة . والشعر عند أرسطو مثل الموسيقى يحاكيان المناظر والأصوات من حيث دلالتها على العواطف والأخلاق، والشعر يحاكي أفعال الناس، أي تمثيل أفعال الناس بين خيرة وشريرة. وكان أرسطو في نقده للشعر عالما وفيلسوفاً، دقيق الملاحظة للطبيعة والفن. كما كان أول زعماء المدرسة الفكرية أو الاتباعية في النقد. وكان أول ناقد نظر إلى النقد كعلم .



كان لسقراط أثر عظيم في العالم النظري والعالم العلمي . فكان يرى أن الفضيلة تنبع من المعرفة والعقل وحسن التمييز. ومعرفة النفس، وما في طبيعتها من خير ومعرفة قدرتها، تجعل الإنسان يدرك موقعه من الآخرين، وبذلك تستقيم علاقته بهم. كما أن فعل الخير هو في الواقع إدراك عقلي. وإذا كانت الفضيلة معرفة، فأنه يمكن نشرها بين الناس بالممارسة. كما أن المعرفة الأخلاقية نتيجة لمعرفة النفس. والفضيلة أمر بديهي في أساس تكوين الإنسان، لهذا يمكن نشرها بالتربية. وأن الثروة الحقيقية هي غنى النفس لا الغنى المادي. والسعادة الحقيقية هي تصرف الإنسان وفق قواعد الحكمة في كل أعماله، لهذا يجب تحرير الإنسان من عالم المادة، تمهيداً لتحقيق إنسانيته.


لقد كان أرسطو من كبار مفكري البشرية ، وهو فيلسوف يوناني . ومعلم من معلمي البيان ، وهو الحكيم المولود في أثينا ، وأول شهيد للفلسفة . وأعظم فلاسفة عصره، ويعتبر أباً للفلسفة الإغريقية. وهو من الشخصيات الفكرية الفريدة في نوعها . الذي أنزل الفلسفة للواقع ، وأدخلها البيوت . وإلى اللقاء في موضوع جديد ، والقادم أجمل .
تعليقات