مقدمة:
عرف اقتصاد العالم الإسلامي خلال القرنين 15 و16م تطورات مهمة نتيجة تحول طرق التجارة العالمية نحو المحيطين الأطلنتي والهندي، فانعكس ذلك على مداخيل الدول الإسلامية وعائداتهم الاقتصادية.
1- أثر تحول الطرق التجارية على نشاط المحاور التجارية القديمة وعلى الاقتصاد العثماني خلال القرن 15 و16م:
أ- انعكس تحول التجارة البحرية على مصادر التجارة الإسلامية:
احتكر العثمانيون أهم خطوط التجارة البحرية القديمة (طرق البحر المتوسط والبحر الأحمر نحو الهند عبر المحيط الهندي وتجارة القوافل)، فتدفقت عليهم السلع والثروات والضرائب من عدة مناطق، فازدادت حاجة أوربا إلى منتوجات الشرق الأقصى والمشرق العربي التي كانت تصلهم بأسعار مرتفعة، فعملوا على اكتشاف طرق جديدة مما أدى إلى تراجع الدور التجاري للبحر المتوسط لصالح المحيط الأطلنتي والمحيط الهندي (طرق التجارة الإسبانية والبرتغالية).
ب- تأثر الاقتصاد العثماني بفعل تحول الطرق التجارية خلال القرن 15 و16م:
تأثر المشرق العربي بفعل انقطاع الخط التجاري الشرقي وخسارة المكوس (الضرائب) المترتبة عنه بعد التوسع البرتغالي بالمنطقة، وقد شكلت الفلاحة دعامة الاقتصاد العثماني باعتبارها مصدر عيش لأغلب السكان، ولكونها من أهم مداخيل ميزانية الدولة، إلا أن الضغط الضريبي (خاصة ضريبة الالتزام) ساهم في تدهور القطاع الفلاحي، مع تزايد النفوذ الأجنبي خاصة على مستوى العلاقات التجارية الخارجية للدولة العثمانية، فتدهورت العملة (الأقجة) بعد تدفق المعادن النفيسة (الذهب والفضة) على أوربا من العالم الجديد (القارة الأمريكية) مما أدى إلى ارتفاع الأسعار
2- انعكس تحول الطرق التجارية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب:
أ- تدهورت الأوضاع العامة بالمغرب بسبب تزايد الضغط الأجنبي خلال القرن 15 و16م:
أدى الغزو الإيبيري للسواحل الشمالية للمغرب إلى احتلال البرتغاليين لمدينة سبتة وتحول طرق التجارة الداخلية نحو الموانئ، فأصبحت المنتوجات المغربية تتجه صوب مناطق مختلفة وأغلبها يصدر عن طريق مراكز برتغالية خاصة المواد الفلاحية، بالإضافة غلاء السلع السودانية (العبيد والتبر)، وقد استفادت منطقة دكالة من تحول الطرق التجارية صوب المحيط الأطلنتي وانتعشت التجارة المحلية نتيجة التعامل مع التجار الأجانب، كما ازدهرت التجارة الخارجية بعد توفر القروض وظهور طبقة تجارية حديثة، بالمقابل عانت المناطق الداخلية من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة بفعل الفتن الداخلية والغزو الأجنبي للمناطق الساحلية، فتراجعت سلطة الدولة الوطاسية بعد إثقالها كاهل السكان بالضرائب، كما تقلصت المساحات الزراعية، فتراجع الإنتاج الفلاحي بتزامن مع انتشار الكوارث الطبيعية كسيادة الجفاف وارتفاع الأسعار وانتشار المجاعة.
ب- عاش المغرب في عهد السلطان أحمد المنصور السعدي تطورا اقتصاديا مهما:
عمل السلطان أحمد المنصور السعدي على احتكار التجارة الخارجية ومنح الامتيازات للتجار الأجانب خاصة الإنجليز. ولتوفير مداخيل لخزينة الدولة ومواجهة القوى المنافسة للسعديين، تدخلت الدولة في القطاعات الاقتصادية الحيوية واعتمدت تخزين المعادن النفيسة. وقد شكلت تجارة السكر أهم المداخيل (أكثر من الثلث).
لقد أدى انتصار السعديين في معركة وادي المخازن إلى انهيار قوة البرتغال وتراجع مكانتهم الاقتصادية، مما مكن المغرب من الحصول على موارد مالية مهمة، واستقطاب قسط هام من تجارة القوافل الصحراوية خاصة بعد ضمه للسودان المصدر الرئيسي للذهب الخام (التبر)، فازدهرت التجارة والصناعة بعدة مدن وتزايد عدد الأسواق.
بتأثير من البرجوازية المغربية دخل أحمد المنصور في منافسة شديدة مع الإسبان بسبب رغبتهم في نشر نفوذهم بالسودان والتحكم في طرق القوافل الصحراوية وهو ماهدد طموحات البرجوازية المغربية في السيطرة على تجارة الصحراء خاصة بعد أحتلال الإسبان لجزيرة أرغين.
خاتمة:
أدى تحول محاور التجارة العالمية من البحر المتوسط صوب المحيط الأطلتني إلى تأثر اقتصاد العالم الإسلامي وتراجع موارده.