مقدمة:
أ- النتائج الاقتصادية والاجتماعية للحرب العالمية الأولى
خلفت الحرب العالمية الأولى خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة متفاوتة الحجم بين الدول المتحاربة أهمها:
- خسائر بشرية كبيرة سواء من القتلى والجرحى والمعطوبين نتيجة للعمليات العسكرية المباشرة.
- إحداث تغيرات في البنية الديمغرافية لسكان أوربا، تجلت في ارتفاع نسبة الشيوخ وانخفاض نسبة السكان النشيطين.
- ازدياد دور المرأة الاقتصادي والاجتماعي والتي عوضت الرجل في أعمال كثيرة كانت حكرا عليهم.
- انتشار البطالة والفقر في أوساط عريضة من المجتمع الأوربي.
- انهيار الاقتصاد الأوربي، حيث أتلفت ملايين الهكتارات من الأراضي الفلاحية، وخربت المنشآت الصناعية والبنية التحتية.
- اضطرار الدول الأوربية إلى الاستدانة من الدول الأخرى وخاصة و م أ، فتحولت بذلك من دول دائنة إلى دول مدينة.
- انتقال الثقل الاقتصادي من أوربا إلى الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.
ب- النتائج السياسية للحرب العالمية الأولى
- إحداث تحولات عميقة على الخريطة السياسية الأوربية بظهور دول جديدة، كبولونيا وتشيكوسلوفاكيا وفنلندا ولتوانيا… وانهيار الإمبراطوريات التقليدية (النمسا-المجر، الإمبراطورية العثمانية، روسيا) مع تغيرات في الحدود الترابية.
- تأسيس عصبة الأمم انطلاقا من مبادئ ولسن 14 في أبريل 1919م، والتي استهدفت المحافظة على السلم العالمي، وخلق التعاون الدولي، اعتمادا على مجموعة من الأجهزة الداخلية للمنظمة، كالجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية والكتابة العامة ومجلس...
- فرض مجموعة من معاهدات الصلح على الدول المنهزمة بشروط جد قاسية، تضمنت بنودا خطيرة، كاقتطاع أراضي من الدول المنهزمة، والحد من تسلحها، وفرض مبالغ مالية كبيرة عليها. ومن أهم هذه المعاهدات:
• معاهدة فرساي: 28 يونيو 1919 فرضت على ألمانيا، من أهم بنودها اقتطاع منطقتي الألزاس واللورين لفائدة فرنسا، وفرض غرامة مالية كبيرة، مع تحديد قواتها العسكرية...
• معاهدة سان جرمان: شتنبر 1919: فرضت على النمسا، تم من خلالها فصل النمسا عن هنغاريا.
• معاهدة نويي 27 نونبر 1919: فرضت على بلغاريا، اقتطعت بموجبها أجزاء من أراضيها لصالح اليونان ويوغسلافيا...
• معاهدة تريانون مع هنغاريا يونيو 1920: اقتطعت أراضي منها لصالح الدول المجاورة.
• معاهدة سيفر مع الدولة العثمانية غشت 1920: فقدت أراضيها العربية كلها، ولم تعد لها في أوروبا سوى إسطنبول وأدرنة.
2- الأوضاع الداخلية لأوروبا بعد الحرب العالمية الأولى إلى غاية 1925
عرفت روسيا خلال بداية ق 20 أوضاعا اقتصادية واجتماعية متأزمة، زادت من حدتها الهزائم التي ألحقت بالجيش الروسي خلال الحرب العالمية، مما أدى إلى ظهور معارضة قوية ومنظمة، تمثلت في الحزب البلشفي، وتحت ضغط الإضرابات والانتفاضات تنازل نيقولا الثاني عن العرش في 15 مارس 1917، فتألفت حكومة مؤقتة قررت متابعة الحرب إلى جانب الحلفاء، لكنها لقيت معارضة من الحزب البلشفي بزعامة لنين، الذي تمكن من إسقاط الحكومة المؤقتة بعد ثورة 23 أكتوبر 1917 وإقامة النظام الاشتراكي بإصدار مجموعة من القرارات أهمها:
- الانسحاب من الحرب العالمية الأولى وعقد صلح بريست ليتوفسك مع ألمانيا سنة 1918.
- إلغاء الملكية الخاصة، ووضع الأراضي رهن إشارة اللجان الزراعية التابعة للسوفييتات.
- حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وقد لقيت الثورة البلشفية معارضة من طرف أنصار النظام القيصري والحكومة المؤقتة بدعم من الدول الرأسمالية، تجسدت في الحرب الأهلية (1918-1921)، إلا أن الجيش الأحمر السوفياتي تمكن من القضاء عليها باعتماد سياسة شيوعية الحرب.
بعد انهزام ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، تم تكوين حكومة فيمار (1919-1933)، لكن هذه الحكومة اعترضتها عدة صعوبات اقتصادية واجتماعية، كالتضخم والفقر والبطالة... بالإضافة إلى تذمر المجتمع من تقبلها لشروط معاهدة فرساي، وتجسدت أهم ردود الفعل في ثورة الشيوعيين، وفي ظل الأوضاع المتأزمة تم تأسيس الحزب النازي سنة 1920، ومع تفاقم الأزمة، تحالف الحزب النازي مع البورجوازية التي كانت متوجسة من المد الشيوعي، فتم تعيين هتلر مستشارا للرايخ الألماني في أكتوبر 1930، وفي غشت 1934 جمع هتلر بين منصبي المستشار ورئيس الجمهورية، كما اتخذ عدة إجراءات ترسخ النظام الديكتاتوري بألمانيا.
ج- النظام الفاشي بإيطاليا
عرفت إيطاليا أزمة سياسية واقتصادية كبيرة أواخر سنة 1919 تمثلت في عجز الميزان التجاري وارتفاع الدين الخارجي، وانخفاض قيمة العملة والأجور... فاستفاد موسوليني من تردي الأوضاع الداخلية لتأسيس الحزب الوطني الفاشي سنة 1919، الذي استعمل أسلوب العنف للظهور بمظهر الحزب الوحيد القادر على فرض النظام بإيطاليا بدعم من البورجوازية المتخوفة من المد الشيوعي، وتمكن من الوصول إلى السلطة سنة 1922، حيث جمع كل السلط بين يديه ممهدا لنظام فاشي ديكتاتوري.
3- الأوضاع العامة والعلاقات الدولية بعد معاهدة لوكارنو
أ- أهمية معاهدة لوكارنو في تحول العلاقات الدولية
تميزت مرحلة 1918 – 1925 بتوتر العلاقات بين فرنسا وألمانيا، مما كان يستدعي عقد ميثاق سلام يضمن حدود كل من الدولتين، وقد نجحت الدول الأوروبية في عقد معاهدة لوكارنو سنة 1925 بهدف استتباب سلام أوروبا والحفاظ على استقرارها، وهكذا شكلت تلك المعاهدة تحولا نوعيا في العلاقات الدولية لأوروبا، ومهدت لانتعاش الاقتصاد وتحسن الوضع الاجتماعي بأوروبا.
انطلقت الأزمة الاقتصادية الكبرى من بورصة وال ستريت يوم الخميس 24 أكتوبر 1929، نتيجة الانهيار المفاجئ لقيمة الأسهم، بعد إحساس المساهمين بالارتفاع المفتعل لقيمتها، إضافة إلى عدم التوازن بين الإنتاج والدخل الفردي، مما أدى إلى التضخم، لتنتقل الأزمة من القطاع المالي إلى باقي القطاعات الاقتصادية، كما انتقلت الأزمة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوروبا والعالم بفعل الروابط المالية والتجارية، بعد استرداد مؤسسات القروض الأمريكية لقروضها، وسحب رساميلها من أوروبا (النمسا سنة 1930 ثم ألمانيا وبريطانيا سنة 1931م فرنسا سنة 1932...) وقد خلفت الأزمة الاقتصادية عدة نتائج أهمها:
• اقتصادية: تضرر جميع القطاعات الاق، إفلاس المؤسسات المالية والصناعية والتجارية، تدخل الدولة في الاقتصاد.
• سياسية: تنامي دور الأحزاب الديكتاتورية مما مكنها من الوصول إلى السلطة.
• اجتماعية: تسريح العمال، انتشار البطالة والفقر، القيام بالإضرابات والمظاهرات...
خاتمة: